اخر الأخبار

الخطاب السياسي في الجزائر





الخطاب السياسي  الجزائري


     لا أحد يُنكر من العامة تحت تأثير جاذبية الكلمة أو من النخبة تحت تأثير قوة الإيحاء و الدلالة المعنوية لسياق المُخاطِب أنّ الخطاب السياسي له دور كبير في تفعيل القناعات وبعث الأمل في نفوس الشعوب أو إحباطها وهو ما تعتمد عليه النُخب السياسية من أجل دعم مشاريعها عن طريق طرح جاد للفكرة للوصول إمّا لكسب التأييد لإحداث تغييرات أو كسب التأييد من أجل مصالح ضيّقة – بالطّبع تنضوي تحت لواء المصلحة العامة – وقد تختلف الخطابات السياسية و قوتها من مرحلة لأخرى حسب طبيعة الأشخاص او حسب الظروف  و كعيّنة عن هذه الخطابات سنأخذ الخطاب السياسي الجزائري و نُقسّمه إلى ثلاث مراحل رُبّما سيتفق معي الكثيرين أنّها بيّنت مقدار رداءة أو قوة الخطاب السياسي حسب تأثير العوامل المرحلية .

1-    مرحلة ما بعد فترة حكم بومدين و ما قبل بوتفليقة  

      هي مرحلة سياسية حرجة ظهرت على وجه التحديد على انّها استدلال مثالي على الحكومات العسكرية والأنظمة الستارية حيث يكون الرئيس إمّا عسكريا تحت وصاية عسكرية فعلية أو واجهة مدنية لنظام عسكري يعني أنّ نقطة التشابك بين النظامين تكمن في طبيعة من خلف الستار ، و الملاحظ عن هذه المرحلة أنّها اتسمت بالخطابات السياسية الإرتجالية القائمة على عنصر القوة فقد كانت تعتمد على الترهيب نتيجة العوامل المحيطة ولم تكن خُطبا سياسية بالمعنى الحقيقي للكلمة وهذا مُتعارف عليه بأنّ الأنظمة العسكرية نادرا ما ترتقي بالخطاب السياسي إلى مصاف الإقناع ومثال على ذلك بعض الأدلة من الواقع بعد الانقلاب على رئيس السودان جُل خطابات المجلس العسكري كانت هشّة لم يستطع من خلالها فرض توجّه المؤسسة العسكرية ، مالي أيضا نلاحظ سيطرة الجانب العملي دون اللجوء لقوة الخطاب السياسي لإقناع العامة بل فرض سياسة الأمر الواقع ، بيلاروسيا ... إلخ  و في الغالب يكون أسلوب خطاباتها تحت تأثير فعل يُسهم في ترتيب جزئي للخطاب (كحالات الفوضى ... إلخ ) أو تحت توجّه الكتل العسكرية المقتنعة بضرورة التوجّه نحو الهدف مباشرة ولهذا يكون الخطاب صلبا هشّا ، فصلبا نتيجة عدم انتظار ردّة الفعل و هشّا لأنّه يفتقد لعنصر التأييد و لو ضمنيا وهو على العموم ما كان صبغة لنظام ما بعد بومدين إلى كامل عهدة زروال أي عند حدود عهد بوتفليقة .

1-    مرحلة بوتفليقة ( 1999 - 2003 )

        لم تكن تختلف عن سابقتها كثيرا فحتى بوتفليقة و إن لم تكن له خلفية عسكرية واضحة إلا انّ ظهوره كان في مرحلة اتسمت بقوة الجناح العسكري على حساب السياسي وهو ما كان فيما بعد حين اتضح أنّ عهدة بوتفليقة الأولى كانت لإقناع الجبهات الشعبية المتناثرة للإجتماع تحت اللواء البوتفليقي لتحييد المؤسسة العسكرية و الإستحواذ على المشهد السياسي بمعنى آخر البحث عن الشرعية الفعلية و ليس الحقيقية نتيجة الصراع بين أجنحة السلطة آنذاك ويكفي أن نذكر جنرال الإنقلابات خالد نزّار حتى تكون الفكرة واضحة ، إلا أنّ بلوغ بوتفليقة سُدّة الحكم في الجزائر أخرج الخطاب السياسي من الرداءة – إن صح التعبير – إلى قوة الكلمة واستحواذها على العامة وهو ما ساعد في اكتسابه دعامة شعبية أعطته الشرعية الفعلية فيما بعد .

            مرحلة ( 2003 – أواخر 2012 ) 

        هذه المرحلة كانت من أكثر مراحل التوازن الخطابي في الجزائر تميّزت بقوة الإستمالة مع تحقيق توازن في الوعود بتبرير مُسبق في حالة الفشل ممّا جعل من الخطاب السياسي أكثر جدّية و مصداقية و قبولا لدى الأوساط العامة وما زاد من تراكم مصداقية الخطاب السياسي إرتفاع سعر النفط و تخلّص الجزائر من المديونية الخارجية ممّا زاد من شعبية بوتفليقة و هو العامل الذي جعل من الخطاب السياسي ذا قوة على الرّغم من التعثّر الواضح لبعض الأحزاب التي تفتقد لأبسط ميكانيزمات الخطاب فما بالك بتصنيفه و لكنّ المرحلة كانت كفيلة بذر الرّماد في العيون ، خطاب بوتفليقة الأخير و الذي تميّز بإيحاءات على أنّ الرّجل منهك تماما أردف ذلك قوله " طاب جناني " ولكن يبقى الخطاب السياسي سواء لمؤسسة الرئاسة أو الكتل السياسية قويا إلى حدّ ما  .

       مرحلة (  2013 – 02 أفريل 2019 ) 

       سيطرة قوى موازية على السلطة  موازاة مع سقوط بوتفليقة الفعلي وتفوّق التيارات السياسية الموالية على نظيرتها من المعارضة أحدث خلالا رهيبا في مستوى الخطاب السياسي لأنّ هذه المرحلة تميّزت بالعشوائية و تراصف الخطابات السياسية خلف نهج القوة المستمدة من استحواذ جهة على ختم السلطة و بالتالي انتقل الخطاب السياسي الذي ميّز مرحلة الفورة الرئاسية في عهد بوتفليقة المعتمد على عنصر الإقناع إلى التهاوي خلف فرض ساسة الأمر الواقع , مثالنا عمارة بن يونس حين قال ذات يوم " يلعن بو لي ما يحبناش " و على دربه رئيس نقابة العمال و غيرهم من الساسة ( إن صح التعبير ) ممّن التمسوا في القوة المستولية على السلطة قوة لعشوائية خطاباتهم .

       2- مرحلة ( من 03 أفريل 2019 إلى 13 ديسمبر 2019 ) 

       استحوذت المؤسسة العسكرية على الخطاب السياسي في الجزائر و على غير عادتها اتسم هذا النمط من الخطاب باللين في مواقفه في بادئ الأمر واعتماد سند الكتل الشعبية كدعامة من أجل فرض توجه المؤسسة العسكرية و الذي كان متقاربا مع ما يرمي إليه الشارع من تغيير العناصر الفاعلة في النظام السابق بداية بالرئيس و إن كان غير موجود عمليا منذ أواخر 2013 ، قلنا تميّز الخطاب باللين في بادئ الأمر و لكن سرعان ما استقر عند نهج فرض سياسة الأمر الواقع والتوجّه مباشرة نحو الحلول العملية الإنتقائية خاصة على مستوى ممارسات السلطة وبقاء بعض وجوه النظام السابق تسيّر المرحلة الإنتقالية – إن صحّ التعبير - ممّا أفقد جانب المؤسسة العسكرية جزءا كبيرا من الحاضنة الشعبية ونستطيع القول في ظل هذه الظروف مع خوف المؤسسة العسكرية من انتقال الهبّة من السلمية إلى توجّه غير محسوب فقد تميّزت الخطابات السياسية بنوع من الهشاشة لأنّ هامش الحرية كان ضيّقا تحت مؤثرات الخوف من تأزم الوضع و تزامنا مع الضغط الدولي المطالب بالإسراع في سحب السلطة من إدارة النفوذ العسكري و تسليمها على الأقل لواجهة مدنية .

    3- رحلة تبّون  : 

           الخطاب السياسي في هذه الفترة لم يتميّز حتى بالمرحلية التي تقتضيها الظروف أي أنّ الخطاب يساير المراحل كل و ظرفها بل كان ضعيفا هشّا على كامل الخط يفتقد لعنصر الثقة الشعبية وهو الواضح من عزوف ما يفوق 21 مليون ناخب عن الإدلاء بأصواتهم وهي مرحلة كان يجب أن تكون أكثر ممارسة و إقناع و لكن العكس هو ما يحدث فلا الرئاسة قادرة على ارتجال خطاب سياسي مقنع ولا الطبقات السياسية الحالية قادرة على إقناع جانب من الشعب على الأقل بتوجّه المرحلة و تعهّدات رأس هرم السلطة التنفيذية و التي تتابع سقوطا أو رُبّما لا تُعالج على أنّها أوامر الرئيس 

ليست هناك تعليقات