اخر الأخبار

الإقتصاد الريعي وتداعيات انهيار أسعار النفط على الجزائر

النفط ، تداعيات ، الإقتصاد الجزائري ، الريع



الإقتصاد الريعي وتداعيات انهيار أسعار النفط على الجزائر

معاذ جدّي

أولا ماهو الإقتصاد الريعي أو اقتصاد الريع ؟ هو الإقتصاد الذي يعتمد على مصدر واحد للدخل وفي الغالب يكون طبيعيا لا يحتاج للآليات معقّدة كالغاز و النفط و المياه الجوفية ... إلخ ، أول من استعمل هذا المصطلح باعتباره شكلاً من أشكال المردود المالي هو آدم سميث في كتابه ثروة الأمم ولكن أول من استعمله كنمط اقتصادي هو كارل ماركس في كتابه رأس المال 

تمهيد

   النفط ، السائل الأسود ، العمود الفقري لاقتصادات الدول الريعية ، عصبها ، شريان الحياة  ... إلخ  سمّه كما شئت هو أحد أسباب النهضة  و نفسه سبب النكبة ، كلّما ازدهرت أسعاره ازدهرت آمال الشعوب المعلقة به و إذا ما تراجعت انتكست تلك الشعوب على اعقابها تندب محدودية تفكير من انتخبتهم ليديروا شؤونها إذ لزموا التفكير حدّ أنوفهم و إلتزموا به وتناسوا أنّ الخطط الإستباقية هي أحدى أسباب نهضة الدول وأن التنوع هو السلاح الوحيد لمواجهة ترنّح العملة السوداء ونفوذ الدول العظمى على مستوى أسواق النفط ، الجزائر إحدى هذه الدول التي لا تنفك جاعلة هذه الثروة عمود اقتصادها إذا تمثل نحو 95 % من وارداتها وفي الأصل وفقا لا تحتويه الجزائر من ثراوات باحتساب شساعة المساحة التي تبلغ 2381741 كم2 وتمثل الصحراء 80% من مساحتها أي 1905392 كم2 و الباقي يمثل الشمال بحوالي 476348 كم2 وهذا الشمال لغرائب الصدف وتناقضها مع الواقع المؤلم أكبر من مساحة ألمانيا و يمثل حوالي 16 مرة ضعف مساحة بلجيكا و حوالي 12 مرة ضعف مساحة هولندا ولا يملكون الثروات التي نملكها سوى أن الإستشراف عندهم أبلغ تقديرا وأكثر جدّية ، صحراء بمساحة تناهز 2 مليون كم2 عاطلة لا تنتج ومع هذه المساحة فالجزائر تعتبر ثالث أكبر مستورد للقمح حسب احصائيات 2019 !!!!!!!! ، فهل ستفعلها الوزارة المنتدبة المكلفة بالإحصائيات و الإستشراف لتضع برنامجا تنمويا لجزائر تنتهج نهجا لا تتحكم في ممراته عراقيل أسعار النفط وهل سينجح تبّون في فرض توجّهات الجزائر الجديدة التي يتطلع لها ؟

الموازنة العامة لسنة 2020

أولا تم بناء الموازنة العامة للدولة ضمن مخطط المالية لسنة 2020 على نحو 65 مليار دولار تقريبا أي ما يفوق 790 الف مليار سنتيم بتحديد سعر مرجعي لبرميل النفط يقدّر بـ 50 دولار للبرميل وسعر صرف 123 دج/للدولار وهي ميزانية نستطيع القول أنّها تقشفية إذا أخذنا بعين الإعتبار تطلعات الحكومة من خلال البرنامج التنموي الذي يريد ترسيم معالمه رئيس الجمهورية  ، حيث تم تقدير الإيرادات لهذه السنة بحوالي 51 مليار دولار أي ما يربو عن 627 ألف مليار سنتيم ما يعني أنّ هناك عجز في الميزانية من بداية السنة يقدّر بنحو 14 مليار دولار اي حوالي 172ألف مليار دج .

أسعار النفط وحجم الخسارة

بدخول السنة الجديدة 2020 بلغت أسعار النفط حوالي 70 دولار/للبرميل وربّما هذا ما جعل الحكومة متفائلة إلى حد ما بتحقيق جزء من برنامجها وقبله سد عجز الموازنة العامة عن طريق إعادة شحن صندوق ضبط الإيرادات الذي تم امتصاصه تماما ( بالطبع الأوان لم يفت لو تلجأ الحكومة إلى ترقية الحوكمة في المجال الإقتصادي والإبتعاد عن فكرة الملاذ الريعي ) ... ولكن الحلم اصطدم بواقعين ، وباء كورونا و انهيار أسعار النفط ، الوباء بدأ في استنزاف احتياط النفقات غير المتوقّعة المعبّر عنها باعتمادات الدفع و المقدّرة بـ حوالي 6 مليار دولار أي 73800 مليار سنتيم وأجبر الحكومة على زيادة تقييد النفقات  بتقليص ميزانية التسيير المقدّرة بـنحو 40 مليار دولار بـ 30% أي بحوالي 12 مليار دولار ، اليوم بلغ سعر النفط الجزائري حوالي 15 دولار للبرميل اي بنحو 35 دولار أقل عن السعر المرجعي للموازنة العامة  و المقدّر بـ 50 دولار/ برميل ما يعني حسابيا أنّ الجزائر تخسر حوالي 35 مليون دولار يوميا أي نحو مليار دولار شهريا و الكارثة أنّ استمرار الأسعار على هذا المقياس معناه أنّ الجزائر تخسر حوالي 7 دولار في البرميل اعتمادا على تكلفة الإنتاج و المقدّرة بـ حوالي 22 دولار للبرميل وهذا حتى قبل البيع ، ما يعني أنّ استخراج النفط يستهلك الخزينة ولا يضيف لها شيئا لأنّ سعر البيع أقل من تكلفة الإنتاج  ( إن شاء الله هذه الحال لن تدوم ) .

تداعيات انهيار أسعار النفط على الجزائر

1.     زيادة عجز الموازنة العامة بسبب اعتمادها بنسبة تصل إلى 60% على مصادر الطاقة مما سيثقل كاهل الخزينة أكثر
2.     زيادة تآكل إحتياط النقد الأجنبي و المقدّر بحوالي 62 مليار دولار بسبب ضعف عائدات النفط
3.     استمرار تصفير صندوق ضبط الإيرادات بسبب عدم وجود فوائض مالية متأتية من الزيادة في سعر البترول عن السعر المرجعي على اعتبار أنّ البترول يمثل 95% من صادرات الجزائر وبالتالي عدم وجود ملجأ للدّولة لسد عجز الموازنة العامة .
4.     زيادة عجز الميزان التجاري نتيجة زيادة الواردات أمام تراجع مداخيل الصادرات وفي مقدّمتها النفط .
5.     زيادة نسبة البطالة بسبب تراجع مناصب العمل أمام عجز الحكومة على تنفيذ الخطط التنموية لتشجيع الإستثمار .
6.     لجوء الحكومة إلى استنزاف احتياط النفط الجاهز بسبب انخفاض سعر البيع عن تكلفة الإنتاج إذا طالت الأزمة وهذا من أجل تقليص نسبة الخسارة .
7.     زيادة تراجع الناتج المحلي الإجمالي
8.     زيادة تراجع إيرادات الدولة خارج مجال النفط  كالضرائب على الاعمال و الخدمات وتقلّص مداخيل أملاك الدولة والضرائب المباشرة و غير المباشرة ... إلخ
9.     تقهقر القدرة الشرائية بسبب غلاء الأسعار نتيجة تراجع العرض أمام تزايد الطلب و أيضا رفع الضرائب غير المباشرة لزيادة الإيرادات خارج مجال المحروقات ( الناتج عن تدهور أسعارها ) مما سيضر أكثر بالفئة محدودة الدّخل .
10.  زيادة التضخم عن الحدود الطبيعية و الذي سيضع الدولة في ورطة إمّا مواجهة غليان الشارع أو رفع الأجور أو زيادة دعم السلع ذات الطيف الإستهلاكي الواسع وهذان الأخيران لن تحتملهما الخزينة نتيجة ضعف الإيرادات  .
11.  زيادة تردّي القيمة الصناعية للمنتجات المحلية وبالتالي عدم زيادة القيمة المضافة المُتطلِّبة لمنشآت قاعدية باهضة من أجل تحويلها لزيادة قيمتها المضافة مثلا كتصدير الخامات كالنفط دون أي تحويل وهذا لن يكون إلا بوجود عائدات مالية فائضة تستثمر في هيكلة المنشآت الصناعية العملاقة .
12.  استمرار تهاوي قيمة العملة المحلية .

إيجابيات إنهيار أسعار النّفط على الفكر التنموي في الجزائر

تكون لانهيار أسعار النفط جوانب إيجابية إذا تخلّت السلطة على فكرة الركون للملاذ الريعي وكانت تملك النيّة فعلا لجعل الإقتصاد أكثر متانة وأكثر تماشيا مع الأزمات وقد تكمن إيجابيات انهيار النفط فيما يلي :
1.     تسريع وتيرة المخططات التنموية لخلق الثروة خارج مجال المحروقات و بالتالي تحقيق التنوع الإقتصادي ولو على حساب ميزانية الوزارات  و الإكتفاء فقط بما يتناسب وحاجيات التسيير ذات طابع الضرورة القصوى .
2.     تسريع وتيرة مراجعة المنظومة القانونية في مجال الإستثمار وجعلها أكثر انسيابية مع الوضع الراهن وأكثر تشجيعا .
3.     دفع المواطن إلى إدخال أمواله إلى البنوك واستثمارها عن طريق التغاضي عن التصريح بالشبهة و من أين لك هذا ( إذا طال تدهور أسعار النفط ) وهذا فيما يخص المبالغ المالية التي لا تتجاوز 10 مليار سنتيم .
4.     التخلّي عن فكرة المحاباة وسياسة الترضية أثناء التعيين والبحث عن الكفاءات داخليا و خارجيا و توظيفها
5.     الفرصة من أجل تخفيف العبء الحكومي على الخزينة بتقليص عدد الوزارات و الإكتفاء فقط بالوزارات الإستراتيجية .

ليست هناك تعليقات